السعودية: فرصة من الهواء… ريادة في اقتصاد الكربون

 

بينما تتسابق الدول الكبرى لابتكار حلول جذرية لأزمة المناخ، اختارت السعودية أن تبدأ من حيث يتوقف الآخرون، بتبنّي تقنية الالتقاط المباشر للهواء (DAC). هذه التقنية لم تعد ترفًا علميًا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية في سباق الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات.

الخطوة السعودية بتدشين أول وحدة DAC في عام 2025 لا يمكن قراءتها كمجرد مبادرة بيئية؛ بل هي إعلان مبكر عن نية المملكة تصدّر اقتصاد الكربون الجديد.

المملكة لا تكتفي بكونها مستخدمًا رائدًا لهذه التكنولوجيا، بل تهدف إلى توطينها وتطويرها محليًا، محولةً نفسها إلى مركز عالمي للابتكار والتصنيع في مجال التقاط الكربون، بما في ذلك تطوير مواد وأنظمة تتناسب مع بيئتها الفريدة.

تتفرد التجربة السعودية برؤية متعددة المراحل: من اختبار المواد الملائمة للمناخ الصحراوي القاسي، إلى استخدام الكربون الملتقط في وقود نظيف ومواد صناعية مبتكرة، وانتهاءً بتخزينه الآمن في منشآت ضخمة مثل “الجبيل”.
هذه الرؤية ليست فنية فقط، بل تعكس نضجًا في التعامل مع الكربون كأصل لا كعبء، وفق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون الذي تتبناه المملكة منذ سنوات.

الميزة التنافسية للسعودية تتجاوز الرؤية الطموحة؛ فالمملكة تمتلك عناصر قوة استراتيجية، مثل وفرة الطاقة المتجددة لتغذية عمليات DAC كثيفة الاستهلاك للطاقة، وبنية تحتية صناعية متقدمة، وخبرة طويلة في إدارة سلاسل الطاقة، ما يجعلها بيئة مثالية لتوسيع نطاق هذه التقنيات.

والأهم من ذلك أن هذه المبادرة تنقل ملف المناخ من رف “الالتزامات الدولية” إلى قلب “الفرص الاستثمارية”.
نحن أمام مشروع يُعيد تعريف العلاقة بين النمو الاقتصادي والاستدامة، ويفتح آفاقًا جديدة أمام المستثمرين محليًا ودوليًا.
كما يعزز التزام صندوق الاستثمارات العامة بهذا المسار، من خلال ضخ استثمارات استراتيجية في كبرى شركات التقنيات المناخية، بناءً على رؤية تؤمن بأن الكربون نفسه قد يصبح أحد أصول الاقتصاد الجديد.

هذا التوجّه لا ينفصل عن المشاريع العملاقة مثل نيوم، التي تهدف إلى أن تكون مدينة خالية من الانبعاثات، حيث تلعب تقنيات التقاط الكربون دورًا حيويًا في تحقيق أهدافها البيئية، ما يخلق بيئة متكاملة للنمو الاقتصادي المستدام.

من الهواء… تصنع السعودية فرصة، وتبني مسارًا قد يغيّر قواعد اللعبة في المنطقة. وإذا كانت الطاقة قد منحتها النفوذ في القرن العشرين، فإن إدارة الكربون بذكاء قد تمنحها الريادة في القرن الحادي والعشرين.

السعودية لا تراهن على المستقبل… بل تصنعه بتقنيات اليوم.