أظهرت البيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي نموًا قويًا في سوق التمويل العقاري خلال الربع الأول من عام 2025، حيث ارتفعت القروض العقارية بنسبة 15% على أساس سنوي لتصل إلى نحو 950.66 مليار ريال. هذا الارتفاع لا يُعد مجرد رقم اقتصادي، بل يُجسد التحول العميق الذي يشهده القطاع العقاري كأحد ركائز رؤية السعودية 2030.
ويمثل هذا النمو تأكيدًا على الطلب المتزايد على تملك المنازل، مدعومًا بتوجهات حكومية تهدف إلى رفع نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن، ويظهر ذلك في استحواذ الأفراد على 76% من إجمالي التمويلات العقارية، بقيمة تتجاوز 721 مليار ريال. ويعكس هذا النجاح فعالية المبادرات الحكومية والبنكية التي تُمكّن المواطنين من الوصول إلى تمويل سكني ميسر، مثل برامج الإسكان المدعومة وتسهيل الحصول على الرهن العقاري.
في المقابل، استحوذت الشركات والمطورون العقاريون على نسبة تقارب 24% من إجمالي القروض العقارية، أي ما يعادل نحو 229.6 مليار ريال. هذه النسبة الكبيرة تُشير إلى نشاط متصاعد في قطاع التطوير العقاري والمشاريع الكبرى، حيث تُستخدم هذه القروض في تمويل مشاريع إسكانية ضخمة، مجمعات تجارية، وبرامج البيع على الخارطة، بما يواكب أهداف النمو الحضري وتحقيق جودة الحياة في المدن السعودية.
كما أن هيمنة المصارف التجارية على 97% من إجمالي القروض تؤكد ثقة القطاع المصرفي في استقرار السوق العقاري ومرونته، مما يعزز من أهمية التكامل بين القطاعين العام والخاص في دعم التنمية المستدامة.
مقارنة النمو والتحديات المستقبلية
النمو الحالي في سوق التمويل العقاري يمثل استمرارًا لمسار تصاعدي شهدته السوق السعودية خلال الأعوام الأخيرة. فعلى سبيل المثال، بلغ حجم القروض العقارية في نهاية عام 2022 نحو 760 مليار ريال، لينمو إلى 950.66 مليار ريال في الربع الأول من 2025، أي بزيادة تتجاوز 25% خلال أقل من ثلاث سنوات. هذا التصاعد يعكس تزايد ثقة المستثمرين والأفراد في القطاع العقاري.
مع ذلك، تظهر عدة تحديات تتطلب مراقبة دقيقة، مثل ارتفاع مستويات الديون العقارية مقارنة بالدخل السنوي للأسر، وتأثير التغيرات المفاجئة في أسعار الفائدة العالمية على تكلفة الإقراض. كذلك، قد يؤدي الاعتماد الكبير على القروض إلى ضغوط على الملاءة المالية للأسر في حال حدوث تقلبات اقتصادية، وهو ما يبرز أهمية التوازن بين النمو والتقييم المستدام للمخاطر مستقبلاً.
زيادة السيولة وتنشيط الدورة الاقتصادية
إن هذا الزخم في سوق التمويل العقاري، إلى جانب التسهيلات الحكومية، ينعكس بشكل مباشر على زيادة السيولة داخل الاقتصاد السعودي. فالقروض العقارية تُسهم في تحريك مليارات الريالات داخل قطاعات الإنشاءات، ومواد البناء، والاستشارات الهندسية، والخدمات اللوجستية، مما يُعزز الدورة الاقتصادية ويدعم النمو في قطاعات مكملة.
ومع تدفق التمويلات العقارية إلى السوق، تستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في سلاسل التوريد العقاري، ما يخلق تأثيرًا اقتصاديًا مضاعفًا يرفع من حجم الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ويُعزز تنوع مصادر الدخل الوطني، وهو ما تسعى إليه المملكة ضمن مستهدفات رؤية 2030.
تملك غير السعوديين للعقار: فتح آفاق جديدة للنمو
وفي سياق موازٍ، يأتي قانون تملك غير السعوديين للعقارات ليضيف بعدًا استثماريًا جديدًا. فقد أتاح هذا القانون للأفراد والشركات الأجنبية تملك العقارات في المملكة ضمن ضوابط تنظيمية دقيقة، لا سيما في المدن الكبرى. هذه الخطوة تفتح المجال لتدفقات مالية من الخارج، تُسهم في رفع مستويات السيولة الأجنبية، وتنشيط سوق العقار، وزيادة الاستثمارات في المشاريع السكنية والتجارية والسياحية.
كما أن هذا التطور يفتح آفاقًا جديدة أمام البنوك المحلية لتوسيع محفظتها التمويلية. فمع تزايد طلب غير السعوديين على تملك العقارات، من المتوقع أن تقدم البنوك منتجات تمويلية مبتكرة ومصممة خصيصًا لتلبية احتياجات هذه الشريحة من المستثمرين، مما يعزز من دور القطاع المصرفي في دعم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السوق العقاري السعودي ويضفي مزيدًا من العمق والمرونة على السوق ككل.
هذه التدفقات لا تُسهم فقط في تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بل تُعزز كذلك من استقرار العملة وتخفف الضغط على الإنفاق الحكومي، من خلال تحفيز القطاع الخاص على تمويل مشاريعه ذاتيًا عبر الشراكات والاستثمار الأجنبي.
رسالة موجهة للمستثمر: فرصة غير مسبوقة في سوق عقاري واعد
للمستثمرين المحليين والدوليين، الوقت الحالي يمثل فرصة استراتيجية للدخول أو التوسع في السوق العقاري السعودي. فتوافر التمويل، ومرونة الأنظمة، والانفتاح على المستثمر الأجنبي، تجعل من البيئة العقارية في المملكة أكثر نضجًا واستقرارًا من أي وقت مضى.
سواء كنت مستثمرًا فرديًا تبحث عن عوائد طويلة الأجل في القطاع السكني، أو شركة تطوير تطمح للدخول في مشاريع ضخمة، فإن السوق السعودي اليوم يقدّم لك:
* بنية تنظيمية متطورة ومحفزة
* نمو سكاني وعمراني متسارع
* برامج إسكان مدعومة من الدولة
* تسهيلات تمويلية وضمانات من البنوك
* قابلية دخول المستثمر الأجنبي بكل شفافية
ببساطة، السعودية لم تعد سوقًا محليًا فقط، بل أصبحت نقطة جذب إقليميًا وعالميًا للاستثمار العقاري الذكي والمستدام.
رؤية تكاملية نحو 2030
تُظهر هذه المعطيات تكاملًا بين تمكين المواطنين من تملك السكن، وتوسيع مشاركة الشركات والمطورين، وجذب المستثمر الأجنبي، وتحقيق مستويات سيولة أعلى في الاقتصاد المحلي. ومع استمرار البنك المركزي في تبني سياسات مالية مرنة، فإن السوق العقاري مرشّح لمزيد من الزخم والنمو، مدفوعًا برؤية واضحة نحو مجتمع مزدهر واقتصاد متنوع ومستدام.
