رأس مال السمعة: الأصل الخفي في ميزانية الشركة

بقلم/ الخبير الاقتصادي سامر شقير

بعد عشرين عامًا أمضيتها هنا في الرياض، مواكبًا لتحولات اقتصادية عملاقة، أستطيع أن أقول بثقة إن معظم النقاشات حول “العلاقات العامة” تدور في المكان الخطأ. فالمسألة لا تتعلق بالبيانات الصحفية أو تنظيم الفعاليات، بل ببناء أصل استراتيجي ذي وزن حقيقي في الميزانية العمومية للشركة. لقد آن الأوان لننقل هذا النقاش من أقسام الإعلام والاتصال، إلى مجالس الإدارات وغرف المستثمرين، حيث يُصنع القرار وتُبنى القيمة.

الخطأ الجذري الذي ترتكبه كثير من الشركات هو التعامل مع العلاقات العامة كبند ثانوي في قائمة المصاريف، أو كأداة تجميلية تُستخدم عند الحاجة. في عالم الاستثمار المعاصر، هذا التفكير ليس قديمًا فقط، بل مُكلفًا للغاية. المفهوم الحديث الذي أتبناه وأعمل به هو أن العلاقات العامة هي عملية ممنهجة لبناء ما أسميه “رأس مال السمعة” (Reputational Capital).
وهذه السمعة ليست مجرد شعار أو حملة علاقات إعلامية؛ إنها العملة الصعبة في اقتصاد اليوم، والأصل الذي يمنح الشركة ميزة تنافسية لا يمكن تقليدها.

لكن كيف يتحول هذا الأصل غير الملموس إلى أثر مالي مباشر؟
الأمر يبدأ من أسواق رأس المال، حيث يُنظر إلى الشركة ذات السمعة القوية المبنية على الثقة والشفافية على أنها أقل خطورة، مما يخفض تكلفة تمويلها بشكل ملموس. هذه الثقة أيضًا هي ما يدفع المستثمرين إلى دفع علاوة سعرية لأسهمها، فترتفع قيمتها السوقية. وفي أوقات الأزمات، تعمل السمعة كخط دفاع أول، تقلل من حدة الصدمات، وتُسرّع من وتيرة التعافي.
وعلى صعيد رأس المال البشري، الشركات ذات السمعة القوية هي مغناطيس للمواهب والكفاءات، وفي السوق التنافسي اليوم، هذه ميزة استراتيجية لا تقدر بثمن.

واليوم، لا يوجد مسرح أوضح لظهور هذه المعادلة من المملكة العربية السعودية. في قلب السباق الذي تقوده رؤية 2030، ومع اشتداد التنافس على العقود الكبرى والاستثمارات الدولية، لم تعد السمعة الطيبة رفاهية، بل أصبحت سلاحًا تنافسيًا حاسمًا. الفوز بثقة كيان مثل صندوق الاستثمارات العامة أو شريك دولي كبير لا يتحقق فقط بعرض مالي وفني قوي، بل يتطلب سجلًا ناصعًا وسمعة لا تشوبها شائبة.

خلاصة تجربتي الاستراتيجية أن أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه الشركات هو الانتظار حتى وقوع الأزمة كي تبدأ بالتفكير في سمعتها. المنهج الصحيح يبدأ منذ اليوم الأول، عبر بناء “رأس مال السمعة” بشكل استباقي وربط أهداف العلاقات العامة مباشرة بالأهداف المالية.
والاستثمار الحقيقي يبدأ ببناء فريق محترف يتقن لغة الإعلام والأرقام معًا، يعمل ضمن منظومة متكاملة، تبدأ من العقلية الاستراتيجية لمجلس الإدارة، وتنتهي بتنفيذ محكم يعزز الثقة ويصنع القيمة.

تذكّروا دائمًا:

> من يُحسن رواية قصته، يُحسن اجتذاب رأس المال.
ففي عالم اليوم، بناء الثروات يبدأ من بناء الثقة.